عدد الرسائل : 562 العمر : 35 الأوسمة : 75 تاريخ التسجيل : 09/07/2008
موضوع: ماذا تريد الحركة الإسلامية ؟ الأحد أغسطس 10, 2008 7:15 am
د.خالد الأحمد *
إن الحمد لله وحده لا شريك له ، والصلاة والسلام على رسـول اللـه وبعد : فالإخوان المسلمون هم جزء من الحركة الإسلامية التي نعرفها بأنها : (العمل الشعبي الجماعي المنظم للعــودة بالإســلام إلى قيــادة المجتمع وتوجيه الحياة كلها ) ([1]).
وهذا الهدف شـاق ولكنه ممكن ، فهو شـاق لأن المسلمين انحرفوا عن الالتزام الكامل بالإسلام ـ كما كان الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم ـ منذ عدة قرون ، بدأت زاوية الانحراف صغيرة جداً ثم كبرت قرناً بعد قرن ، حتى أصبح الفرق كبيراً جداً في كثير من الأقطار ، وممكن لأن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ هذا الدين وتجديده كل مائة عام .
وكي تحقق الحركة الإسلامية هذا الهدف الكبير الشـاق لابد من رســم الخطط ، وتحديد الأهداف ، والأهداف نوعان أساسيان : أهداف اســتراتيجية ثابتة وبعيدة المدى وهي غاية في ذاتها ، وأهداف تكتيكية ( مرحلية ) وهي وسائل موصلة إلى الأهداف الاستراتيجية .
فالهدف الاستراتيجي للحركة الإسلامية طاعـة الله عز وجل وكسـب رضاه للفوز بالجنة دار الخلد ، قال تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " والعبادة هي الطاعة ، أما كل ما يوصل إلى طاعة الله ورضاه فهو هدف مرحلي ( تكتيكي ) ([2]) .
كما أن الأهداف المرحلية متسلسلة منطقياً يترتب اللاحق منها على السابق ، فلا يمكن إقامة أسرة مسلمة قبل تكوين الفرد المسلم ، لأن تكوين الأسرة يترتب على تكوين الأفراد المسلمين ذكوراً وإناثاً , ولا يمكن إقامة الدولة المسلمة قبل المجتمع المسلم ، لأن الدولة المسلمة تحكم مجتمعاً مسلماً ؛ كما أن المجتمع المسلم يفرز دولة مسلمة ، ثم يحمي هذه الدولة من التآكل والسقوط بعد إقامتها وهكذا ، فما الأهداف المرحلية للحركة الإسلامية المعاصرة ؟
أهـداف "الإخوان المسلمون ":
1ـ كما هي في تصورا ت الغرب وأنصاره :
يتصور الغرب وأنصاره أن "الإخوان المسلمون " يريدون قهرهم وإحكام السيف في رقابهم ، ومحاربة كل ما جاءت به حضارتهم ؛ والقضاء عليها وإعادة البشرية إلى القرون الماضية ، لذلك يخافون من الإخوان المسلمين كثيراً ، ويرصدون الأموال الكثيرة لدراسة الحركة الإسلامية عامة ، والتعرف عليها ؛ كي يرسموا الخطط لمحاربتها والقضاء عليها ([3]) .
2 ـ كما هي في تصريحات بعض أبنائها :
بعض أبنـاء الحركات الإسلامية يعلنون صباح مساء أنهم يريدون إقامة الدولة المسلمة ، وأن هذه الدولة التي سيقيمونها ستطبق الشريعة الإسلامية ، فتقتل القاتل ، وترجم الزاني المحصن ، وتقطع يـد السارق ، وكثير من الدعاة المسلمين تجد هذا الهدف راسخاً وجاهزاً في تصوره ، يصرح به للجميع ، ولا يتذكرون أن تطبيق الشريعة الإسلامية يحقق العدل والمساواة بين المواطنين كلهم ، ويرفع الظلم عنهم ، لذلك تقل الجريمة عندئذ .
ونجد كثيراً من أبناء الحركة الإسلامية يسارعون إلى القول : تريد الحركة الإسلامية إقامة الحكم الإسلامي .
وفي أيامنا نرى أبناءً قتلوا آباءهم من أجل الحكم ، ورأينا ما جري بين حافظ ورفعت الأسد ، حيث حاول حافظ نقل ( ملكيتة لسوريا) إلى ولده باسل ثم بشار بعد أن مات باسل ، وقصة الأمين والمأمون غير خافية على أحد ، وما فعله السلاطين العثمانيون بإخوانهم من أجل الحكم ، ومن البديهي أن كل حاكم تشبث بكرسي الحكم ماعدا الخلفاء الراشدين ، ومن سار على نهجهم رضوان الله عليهم .
ويجب أن يعرف الناس أن الحركة الإسلامية لا تريد الحكم لذاته ، وإنما تريد أن يطبق الإسلام على المسلمين ، وعندما يتقدم غيرهم ليطبق الإسلام فهم جنود له ([4]).
وحسب معرفتي أكثر أبناء الحركة الإسلامية لا يعرفون ما يريدون !! سـوى الهدف الاستراتيجي وهو طاعة الله عز وجل ، أو الهدف المرحلي البعيد وهو إقامة الدولة المسلمة ، وفي أحيان كثيرة تجد عندهم أهدافاً مرحلية كثيرة ، فمنهم من يريد تصفية العقيدة مما شابها من البدع ، ومنهم من يريد صقل نفوس المسلمين وتطهير قلوبهم ، وملؤها بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من يريد إزالة الطواغيت بقوة السلاح .
وهكذا تتعدد الأهداف وتهدر الطاقات ، وقد قادهم عدم وضوح الهدف إلى الصدام المسلح مع أنظمة الحكم .
فما هو الهدف المرحلي الواضح والمحدد الذي قامت من أجله الطليعة المقاتلة في سـوريا بالصدام المسلح مع حافظ الأسد وأسـرته الحاكمة ؟ مما عاد بالويلات على المسلمين في سـوريا ، لاشك أن كثيراً من شباب الطليعة ـ يرحمهم الله ـ كان هدفهم الفوز بالجنة ، ولكن هل هذا هو الهدف المرحلي الذي تعمل من أجله الحركة الإسلامية !؟ وهل فوزهم بالجنة على حسـاب قهر المسلمين في سـوريا ، وسجن عشرات الألوف وتشريد مئات الألوف منهم !!؟ وقل مثل ذلك لما يجري حالياً في الجزائر ، ما الهدف من قتل الأطفال والنسـاء والشيوخ ، بل ما الهدف من قتل رجال الشرطة وبعض العلماء والدعاة !!؟ .
والجواب عندي واضح تماماً وهو أنه لا يوجد هدف واضح محدد متفق عليه في الحركة الإسلامية ، ولو كان موجوداً ما جرى مثل ذلك في سوريا والجزائر وغيرهما .
3 ـ هـدف الحركة الإسلامية كما يريده الإسلام :
للحركة الإسلامية ـ كما سبق ـ هدف استراتيجي وهو طاعة الله ورسوله ، وأهداف مرحلية بعيدة منها تطبيق الإسلام في حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة ، مع العلم أن هذا الهدف المرحلي البعيد ( الدولة المسلمة ) يصبح هدفاً استرتيجياً ـ اليوم ـ لأن تحقيقه شـاق جداً ، ولابد من أهداف مرحلية تسبقه اعتدنا أن نسميها تربية الفرد المسلم ، وتكوين الأسرة المسلمة ، وإقامة المجتمع المسلم .
ويبدو لي أن الحركة الإسلامية قطعت شـوطاً بعيداً في تربية الفرد المسلم ، وتكوين الأسرة المسلمة ، ثم وقفت عاجزة ـ حتى الآن ـ عن إقامة المجتمع المسلم ، وفي كثير من البلدان يحاول أبناء الحركة الإسلامية القفز فوق هذه المرحلة ليقيموا الدولة المسلمة قبل أن يقيموا المجتمع المسلم ، متأثرين برأي التحريريين الذين يرون ذلك ، ولا يصح هذا برأيي ، وهو غير منطقي ومخالف لمنهج الإمام البنا يرحمه الله .
فما هو الهدف المرحلي الحالي الذي يساعدنا على إقامة المجتع المسلم ؟( والمجتمع عبارة عن مؤسسات تربوية وصحية وثقافية وإعلامية وسياسية وروحية ...) .
4 ـ الحركة الإسلامية كحزب سياسي علني معترف به رسمياً :
يرى بعض أبناء الحركة الإسلامية المهتمين بها أن تعلن الحركة الإسلامية عن هدفها للعدو والصديق ، من خلال كتاب يوزع بكميات كبـيرة في قـارات العــالم كلـها ، وأن ترســخ هذا الهـدف الـمرحـلـي ( التكتيكي ) لدى أبنائها ، بأن تكون حزباً سياسياً معترفاً به من الحكومة ، وأن يصرح لها بممارسة كافة حقوق الحزب من صحافة ووسائل إعلام كالإذاعة والتلفزة ، وأن تقيم أنشطتها التربوية والثقافية والاقتصادية ، كما تقيم مؤسساتها السياسية ، كالمكاتب والمجالس والمؤتمرات بصورة علنية .
ومن خلال إعلان هذا الهدف تتحقق المكاسب التالية :
1 ـ يضبط أبناء الحركة نشاطهم ضمن هذا الهدف ، فتتوحد الجهود ، وتصب في هدف مرحلي يمكن قياسه بعد فترة وجيزة ؛ لمعرفة مدى ما تحقق منه ؛ وصحة مسار الحزب نحو ذلك الهدف ، ومن طبيعة الحزب أن يثقف أبناءه ويبحث عن أنصار ليضمهم إلى صفه ، ويربيهم تربية إسلامية من خلال المخيمات والمعسكرات ، وسائر الأنشطة الإسلامية ، كما يسعى إلى الانتشار في صفوف عامة الشعب ، وهذا ما نسميه ـ نحن الإسلاميين ( الدعوة الإسلامية ) .
2 ـ من مزايا العمل العلني أن عدوك يعرف ماذا تفعل ، وبالنسبة لنا ـ المسلمين ـ يجب أن لا يضيرنا أن يعرف عدونا أننا نربي أنفسنا وأبناءنا على الإسلام ، ويجب أن نمارس هذه التربية بشكل علني حسب ما يسمح به نظام الأحزاب ([5]) ، وعندئذ لا يستطيع أن يلحق بك التهم التي اعتاد أعداؤنا إلصاقها بنا ([6]).
3 ـ نجبر الغـرب ـ وهو الذي يطرح شعار التعددية السياسية ـ على مهادنة الحركة الإسلامية ، وذلك عندما يغيب عن تصوره إقامة الحكم الإسلامي ، وقطع الأيدي ، ونصب المشانق لأتباعه وتلاميذه في بلادنا .
4 ـ الحزب السياسي العلني مرحلة ضرورية لتدريب الإطارات الإسلامية على الإدارة والتوجيه والإعلام ، ومواكبة العصر في تقنياته ، كما يدرب أبناء الحركة على العمل الجماعي وعمل المؤسسات ، ويضعف أثر الفردية ومراكز القوى التي تنشط في العمل السـري أكثر من العلني .
والحزب السياسي مرحلة متقدمة من التشكيلات الاجتماعية بعيداً عن القبيلة والطائفة والطبقة ([7]).
يقول الأســتاذ راشــد الغنوشـي في كتابه (حركة الاتجاه الإسلامي في تونس ) : إذا تحقق لنا نظام يعترف بالحريات ؛ فينبغي على الحركة الإسلامية أن تمارس حقها كطرف سياسي معترفة بغيرها ، فتخوض المعارك الانتخابية ، وتحصل على موضع قدم في البرلمان ومؤسسات المجتمع ، وتشارك في الحكم ولو جزئياً ؛ لتدريب أفرادها على إدارة المؤسسات ، وعلى قيادة الجماهير ، وتوعيتها بأهداف الحركة الإسلامية . ص 22.) .
5 ـ الحزب السياسي العلني وسيلة ممتازة للدعوة الإسلامية ، له من الإمكانات الموازية للعصر مثل الصحافة والإذاعة والتلفزة ...إلخ .
ويتبنى الحزب بشكل علني قضايا الأمة ( مثل فلسطين ) وقضايا الشعب ( مثل محاربة الفقر ) وينشر الدعوة الإسلامية في كافة طبقات الشعب وفئاته ، كما يبث التربية السياسية في الشعب ؛ فيرسخ مفهوم الإسلام دين ودولة وصالح لكل زمان ومكان ، وأن إقامة الدولة المسلمة من الواجبات العينية على المسلمين حالياً .
لأن فروض الكفاية تبقى فروض عين على الأمة حتى يقوم بها البعض ؛ فتسقط عن الآخرين ، ومن الملاحظ أن إخواننا في الجزائر بدءوا العمل بعدنا ( في بداية السبعينات ) وسبقونا عندما استفادوا من بعض تجاربنا ، وسارعوا إلى تكوين أحزاب إسلامية مثل حركة مجتمع السلم ، وحركة النهضة ، وحركة الإصلاح الوطني ، وقد سـألت الأخ الشيخ عبد الله جاب الله أمير حركة النهضة ( سابقاً ) ذات يوم ـ دون أية مقدمات ـ قلت له : ماذا تريد حركة النهضة الإسلامية في الجزائر ؟ فقال بدون انتظار : نريد أن نكون حزباً سياسياً معترفاً بنا من قبل الدولة ، ولنا قبول عند الشـعب .
ونسأل الله العلي القدير أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، وأن يوفقنا إلى ما يرضي ربنا عز وجل فننال رضاه في الآخرة ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا حزب ولا عشيرة إلا من آتى الله بقلب سليم .